فى هذا الإطار يذهب لوى Lowe, J. وغويدر P.Goyder إلى أن أول جماعة وطنية للبيئة كانت قد ظهرت هى الجمعية الشعبية البريطانية لحماية الفضاء والحدائق ويعود تاريخها إلى عام 1963 وهى نفس الفترة التى ظهرت فيها التربية البيئية فى نطاق الجمعيات داخل الولايات المتحدة الأمريكية. إن المرحلة الفاصلة بين الخمسينات والستينات هى بلا منازع مرحلة المخاض الأول للتربية البيئية. لقد كانت تلك الفترة بالنسبة للكثيرين مرحلة تأملية فى نتائج الحرب العالمية الثانية وفى الآثار الناجمة عن التجارب النووية وعن تنامى دور المركب الصناعى العسكرى فى صنع السياسات العامة ولا سيما منها تلك التى لها صلة بالحفاظ على الموارد أو السكان، لذلك بدأت بعض الجماعات من المفكرين داخل الولايات المتحدة، وبشكل تدريجى فى ألمانيا وفرنسا فى طرح مسألة التربية البيئية كتحد نوعى جديد. وقد أحدث فى هذا السياق كتاب الربيع الصامت Silent spring لرافائيل كارسون والذي نشر عام 1962 وكان له ضجة هائلة دفعت بالعديدين إلى مراجعة موقف الرأى العام والسياسيين من موضوع البيئة والمخاطر التى يمكن أن تنجم عنه.
· يعرض جوك كيرك المراحل التاريخية التى ظهرت من خلالها التربية البيئية كالتالي:
أ – مرحلة إيقاظ الوعى: 1860- 1890 كانت هذه المرحلة الأولية التى حاول من خلالها كتاب كبار إيقاظ وعى العديد من الناس لكى يدركوا أن الإنسان ليس كائنا وحيدا وفريدا يسمو على جميع العناصر التى تتكون منها أنظمة الكائنات الحية وغير الحية وإنما هو جزء لا يتجزأ من نظام الكون.
ب- مرحلة الحماية 1890-1910 وهى المرحلة التى روج من خلالها العديد من الكتاب لفكرة الحاجة إلى حماية الموارد الطبيعية. وقد تم إنشاء لجنة الحماية الوطنية للمواد الطبيعية للولايات المتحدة الأمريكية. ولم تعد قيمة الغابات تنحصر في منتجاتها فحسب، وإنما سينظر إليها بإعتبارها منتجعا للاستجمام والاسترخاء وموقعا للبحوث والدراسات.
ت – مرحلة التربية 1911– 1950 وهى المرحلة التى تم خلالها إنشاء الجمعية المدنية للحماية والتي أعطت للعديد من الشبان والشابات فرصة معرفة قيمة المحيط الغابى وقيمة الأنواع الحية. وفى هذا الإطار فلقد قام العمل التربوي على تأطير المعلمين والمربين وتشجيعهم على توظيف الفضاءات الطبيعية الحرة وتجاوز حدود التربية الصفية إلى مستوى التربية اللاصفية.
· أن أول خطوة تأسيسية للتربية البيئية – أي ممارسة التربية من خلال مؤسسة – تعود من دون شك إلى عام 1949 وهو تاريخ تأسيس اللجنة المختصة بالتربية التابعة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة والموارد الطبيعية وقد اهتمت هذه المنظمة بتعزيز تعليم حماية البيئة. وقد أنتجت عددا من الكتب ومن الندوات حول التربية البيئية وحماية الموارد.
· ومن منظور تاريخ التربية البيئية يمكن القول بأن أول مؤتمر تمت الدعوة إليه حول التربية البيئية هو الذي دعت إليه هذه المنظمة وقد أنعقد فى نيفادا عام 1970 بعد ذلك جاءت سلسلة اللقاءات الأخرى والتي أهمها:
· مؤتمر العمل الأوروبي الخاص بالتعليم المنعقد فى سويسرا 1971.
· حلقة العمل الدولية عن الدراسات البيئية فى التعليم العالي وتدريب المعلمين فى أونتاريو بكندا.
· حلقة زيوريخ لوضع البرامج البيئية لتلاميذ التعليم الثانوي.
هذه المبادرات رافقتها حملات تحسيسية داخل الأمم المتحدة قامت بها دول أوروبية نتج عنها أول لقاء أممي حول الإنسان والبيئة البشرية وهو مؤتمر ستوكهولم لعام 1972.
مؤتمر ستوكهولم أو مرحلة التثقيف البيئى المجرد:
· انعقد المؤتمر الأول للأمم المتحدة حول البيئة البشرية فى عام 1972 وحضرته 113 دولة – بما فيها العربية – إضافة إلى المنظمات غير الحكومية. وقد جاء من نتائجه:
· أن المؤتمر إذ يقر بأن الإنسان كائن حي له دور فى تشكيل البيئة كما تقع على عاتقه مسئولية خاصة نحو حمايتها والحفاظ على الموارد الطبيعية والهواء والماء والنباتات الحيوانات.
· يعلن بأن على الإنسان العمل من أجل إنتاج الموارد لإيقاف أى نوع من التلوث الذى يمثل خطرا على الموارد الحية والأحياء المائية.
· ويرى أن التخلف يمثل الخطر الأكبر على البيئة ويرحب بالتنمية الوطنية المخططة على نمو يتلاءم مع التعاون الدولى فى مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
· ويقر بأهمية التخطيط المبرأ من أية هيمنة عنصرية فى قضايا الديمغرافيا والتنظيم.
· كما جرى الاعتراف بأهمية التثقيف فى المجالات البيئية بالنسبة إلى الشبان والراشدين على حد سواء.
· ومما نتج عن توصيات المؤتمر هو حصول زيادة سريعة فى أنشطة التربية البيئية وإنشاء وكالة خاصة هى برنامج الأمم المتحدة للبيئة. كما ساهمت التوصية رقم 96 فى إرساء أساس جديد للتربية البيئية على الصعيد الدولى، على الأقل من ناحية الالتزامات المبدئية. على أن هناك بعض الملاحظات الهامة التى يمكن أن نشير إليها من خلال توصيات هذا المؤتمر ومن أهمها:
- أن المراهنة على التخطيط التنموي كانت هى الغالبة بحيث تجاوزت أهمية هذه المراهنة دور التربية وتدخل الفاعلين المستقلين مثل المنظمات والهيئات المدنية.
- أن المطلوب بالدرجة الأولى وفى هذا المستوى من التعبئة الدولية لم يكن يتجاوز موضوع التثقيف البيئي وليس التربية البيئية بالمعنى الذي سيصبح متعارفا عليه.
المصدر: د. محمد السيد جميل - خبير تربوي / المكتب العربي للشباب والبيئة